لماذا نشتاق للعصور التي لم نعشها؟

كتبت الصحفيه:مها لطفي

نجد أنفسنا في كثير من الأحيان نحدّق في لوحات الماضي، نقرأ عن عصور لم نشهدها، ونشعر بحنين غريب نحو أزمنة لم نكن جزءًا منها. ولكن لماذا نشعر بهذا الاشتياق؟ ما الذي يجعلنا نتوق إلى أيام لم نعشها وكأنها تحمل لنا سحرًا خاصًا؟

1. الهروب من الواقع

الحياة الحديثة مليئة بالتحديات والضغوطات، سواء بسبب سرعة التطور التكنولوجي، أو الإيقاع السريع للحياة اليومية. حين نرى صورًا لعصرٍ كانت فيه الحياة أكثر بساطة، أو نسمع عن مجتمعات أكثر ترابطًا وأقل تعقيدًا، فإننا نميل إلى تفضيل ذلك على واقعنا المليء بالضغوط. الماضي يبدو لنا ملاذًا هادئًا، حتى لو لم يكن كذلك في حقيقته.

2. تأثير الفن والأدب

السينما، الروايات، وحتى الأغاني القديمة تسهم في خلق صورة رومانسية عن العصور الماضية. نحن لا نرى الماضي كما كان، بل كما صوّرته لنا الأعمال الفنية، مما يخلق حالة من الحنين إليه. على سبيل المثال، عصر العشرينات يبدو مليئًا بالسحر في الأفلام، رغم أنه كان مليئًا بالأزمات الاقتصادية. هذه الصورة المثالية تخلق لدينا رغبة في تجربة ما لم نعشه.

3. الفضول البشري والمجهول

هناك دائمًا سحر مرتبط بالمجهول. العصور التي لم نعشها تظل غامضة، والتاريخ لا ينقل لنا كل التفاصيل، بل فقط الأحداث الكبيرة. هذا الفراغ يدفع خيالنا لملئه، مما يجعلنا نرسم صورة مثالية عن تلك الأزمان، فتزداد رغبتنا في العودة إليها ولو للحظات.

4. الشعور بالانتماء لزمن آخر

بعض الأشخاص يشعرون بأنهم "ولدوا في الزمن الخطأ"، وكأن أرواحهم تنتمي لعصر مختلف. ربما يفضلون الموسيقى الكلاسيكية، أو يعشقون الكتابة بخط اليد بدلًا من الكتابة الرقمية، أو ينجذبون إلى الأزياء القديمة. هذا الإحساس بالانتماء لعصر مختلف يجعلهم يتوقون إليه وكأنهم فقدوه رغم أنهم لم يعيشوا فيه أصلًا.

5. البحث عن المثالية الضائعة

الماضي غالبًا ما يبدو أكثر مثالية مما هو عليه في الحقيقة. نحن نميل إلى تذكر الإيجابيات وننسى السلبيات، خاصة في العصور التي لم نعشها. عندما نقرأ عن الأندلس مثلًا، قد ننبهر بازدهارها الثقافي والعلمي، لكننا نغفل عن التحديات والصراعات التي كانت موجودة في ذلك الوقت. هذه الصورة الانتقائية تجعلنا نشتاق إلى "جنة ضائعة"، حتى لو كانت غير حقيقية.

خاتمة

الاشتياق للعصور التي لم نعشها ليس مجرد حنين إلى الماضي، بل هو انعكاس لرغبتنا في إيجاد مكان مثالي، عالم يبدو أكثر تناسقًا مع أرواحنا. ربما لن نستطيع العودة إلى الوراء، لكننا دائمًا قادرون على استلهام أجمل ما في الماضي لصنع حاضر أكثر جمالًا.

# جريدة_القاهرة _آلان.